إغتصاب الأطفال(مأساة عالمية ووطنية يتحمل عواقبها المجتمع)…


تُعد الطفولة في حياة الإنسان مرحلة حاسمة فهي تتشكل فيها شخصيته ويُدرك سلوكه ويتعرف من خلالها على عادات وتقاليد مجتمه، وكيف يُمكن أن يتعامل ويتفاعل مع من حوله داخل أسرته وإمتداداً بجماعة الأصدقاء، ومروراً بنسق المدرسة كمجتمع جديد على الطفل يُكمل دور الأسرة ويُكسبه الخبرات التعليمية والتربوية إلى جانب إكتساب المهارات التي تساعده على فهم الواقع والتوافق الشخصي والتكيف المجتمعي، بما يؤهله إلى تحمل المسئولية وأن يكون عضو نافع بالمجتمع يؤثر فيه ويتأثر به ويشارك فيما بعد في تحقيق أهداف التنمية، والتي لن تتحقق بدون إسهامات وفكر وتخطيط الإنسان.
ويبلغ عدد الأطفال دون سن 18 عام (40،900) مليون بنسب متقاربة بين الذكوروالإناث ، وذلك عام 2022، من إجمالي تعداد السكان في مصر، والذي يتخطى الآن (105) مليون نسمة، وهذه الأرقام لا يمكن الإستهانه بها إطلاقاً في وقتنا الحالي.
ويواجه الأطفال الكثير من المشكلات التي قد تعترض نموهم أو إستفادتهم من الرعاية الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والترويحية والدينية وغيرها، إلى جانب عدم الاهتمام بحقوق الطفل، فنرى الآن منهم العاملين وبلا مأوى أو أطفال الشوارع أو الأحداث والذين كَثرت أعدادهم، وأصبحت تتخطى في مصر النسب العالمية.
وسوف نتطرق في هذا المقال إلى مشكلة إغتصاب الأطفال، والتي أكدت معظم الدراسات والإحصائيات أن العديد من حوادث التحرش بالأطفال لم يتم التبليغ عنها لأسباب عائلية، وخوفاً من الفضيحة الاجتماعية أو العار الذي قد يلحق بالطفل الضحية وأسرته، ناهيك أيضاً عن آثاره السيئة التي تزال مستمره على الطفل على المدى البعيد، بالرغم أن التحرش قد يقع رغماً عنه إستغلالاً لضعفه وعفته وبراءته.
وقد زادت نسبة التحرش بالأطفال في الوطن العربي بصورة كبيرة في الآونة الأخيره، كما أشارت الإحصائيات أن (70%) من الأطفال في العالم قد تعرضوا للتحرش الجنسي بنوع أو أكثر.
وتتعدد أشكال التحرش الجنسي بالأطفال والتي تبدأ بالإيماءات او الكلمات الجنسية الفاضحة، الملاصقة أو اللمسات غير اللائقة، التحرش الإلكتروني، الإتصال الجنسي المباشر مع الطفل، أو الإغتصاب والممارسة الفعلية.
ويعتبر إغتصاب الأطفال أكثر أشكال التحرش الجنسي بشاعة وجُرماً، والذي يعني كل تلميح أو لفظ أو فعل صادر عن رغبة جنسية لطفل تحت عمر 18 سنة، أو إستخدام الطفل لإشباع الرغبات الجنسية لشخص بالغ أو مراهق أو يكون بين قاصرين فارق العمر بينهما يتجاوز 5 سنوات، والسن الفاصل المعتمد لدى غالبية دول العالم هو 18 سنة، وهويشمل كذلك تعريض الطفل لأي نشاط أو سلوك جنسي (بصري، لفظي، جسدي).
والتحرش الجنسي بالأطفال عرفته منظمة الصحة العالمية بأنه:- إشراك الطفل في نشاط جنسي لا يفهمه، لذا فهو يعتبر نوع من أنواع الإعتداء على الطفل يبدأ بمشاركة الصور والمقاطع إلى التحرش اللفظي ثم الضغط والإجبار، وقد تستمر الأفعال حتى تصل إلى التخويف الاجتماعي وأخيراً إستعمال القوة الجسدية والإغتصاب.
ويرى الكاتب أن إغتصاب الأطفال ظاهرة قديمة لا توجد لها دلالات واضحة، أو تأكيدات معينة بتاريخ ظهورها في أي مجتمع أو دولة ما.
ولكن يمكن الإشارة إلى أن منظمة الصحة العالمية تُقدر حوالي (40) مليون طفل يعانون من العنف في منطقة الأمركيتين، ومنطقة البحر الكاريبي، وهذا يتضمن جميع أنواع العنف، وأن غالبية القُصر الذين يُعانون من الإعتداء البدني تتراوح أعمارهم بين (2-7) سنوات، واكثر المتضررين بشدة هم الذين تتراوح أعمارهم بين (3-5) سنوات، وأن (85%) من الوفيات ناجمة عن إنتهاكات وسوء معاملة أو أعراض غير محدده.
وبالتحول إلى الدول العربية فقد أظهرت الإحصائيات إنتشار الظاهرة في بعض الدول، وكان المعتدي في دولة الأردن في أغلب الحالات من داخل العائلة ويكون معروفاً للطفل الضحية (جار ، قريب)، وهذا منقولاً عن وحدة حماية الأسرة، حيث بلغت عدد الحالات التي تمت معاينتها خلال عام 1998 ما يزيد عن (437) حالة.
وفي لبنان أظهرت دراسة صادرة عن جريدة “لوريان لوجور” أن المتحرش يكون ذكر في جميع الحالات، ويبلغ من العمر (7-13) عاماً، وأن الضحية قد شملت (18) فتاة و (10) أولاد تتراوح أعمارهم بين (سنة ونصف– 17) سنة، كما أشار المؤتمر اللبناني الرابع لحماية الأحداث إلى إرتفاع عدد الإعتداءات الجنسية على القاصرين وخاصة الذكور منهم على أقرباء لهم أو معتدين قاصرين.
وبالنظر إلى مصر فقد أشارت أول دراسة عن حوادث التحرش بالأطفال والتي أعدتها الدكتورة/ فاتن عبد الرحمن الطنباري- العميد الأسبق للمعهد العالي للإعلام وفنون الإتصال بمدينة الثقافة والعلوم وأستاذة الإعلام بمعهد الدراسات العُليا للطفولة بجامعة عين شمس، إلى أن الإعتداء الجنسي على الأطفال يُمثل (18%) من إجمالي الحوادث المتعلقة بالطفل، وفيما يتعلق بصلة مرتكب الحادث بالطفل الضحية أظهرت الدراسة أن نسبة (35%) من الحوادث يكون الجاني على صله قرابة بالطفل الضحية، وفي (65%) من الحالات المُعتدى عليهم لا توجد صلة قرابة.
وفي هذا الصدد من الإحصائيات والدراسات التي كشفت حجم جريمة إغتصاب الأطفال وتأثيراتها السلبية على الطفل والأسرة والمجتمع، يجب أن نشير إلى أسباب هذه الظاهرة، أعراضها، أضرارها، العلامات التي تكشف الإعتداء الجنسي على الطفل، وإنتهاءاً بطرق الوقاية من التحرش الجنسي الذي يتعرض له الأطفال، وخاصة في المجتمع المصري.
لنبدأ بأسباب التحرش الجنسي ولعل أهمها الأمراض النفسية التي يعاني منها مُرتكب الفعل مثل التخلف العقلي، التغيرات المرضية، والفصام، مشاهدة الأفلام الإباحية، تعاطي الكحول والمخدرات والتي قد تؤثر على عقل الإنسان وتلغيه تماماً، ضعف الوازع الديني والدافع الأخلاقي، سوء التربية حيث الإهمال الأسري للأبناء في التربية السليمة)، العُزلة الاجتماعية وعدم الرقابة، المشاكل الأسرية، التعرض لحالات تحرش جنسي أو الإغتصاب في صغره والشعور بعقدة النقص، غياب العقوبات الرادعة لهؤلاء المعتدين، سلبية المجتمع في كثير من المواقف التي يجب أن يكون له فيها دور واعٍ يخشاه أصحاب الأخلاق الفاسدة والنوايا السيئة، الإختلاط وما له من اثر في إنتشار التحرش والتبرج.
هذه الأسباب تدفعنا إلى ذكر أعراض الإغتصاب والتي قد تظهر مجتمعه، وقد تظهر بعضها على الطفل، ففي عمر ما قبل 3 سنوات قد يشعر الطفل بخوف شديد وبكاء دون سبب واضح، قد يتقيأ الطفل بدون سبب عضوي واضح، وقد تظهر عليه أعراض عدم التحكم في الإخراج (البول والبراز)، قد تظهر عليه مشكلات في النوم، واخيراً قد تحدث له مشكلات في تأخر نموه الجسمي ولا يزيد وزنه.
ومن سن 3- 9 سنوات، نجد الطفل قد يشعر بالخوف من بعض الأشخاص أو الأماكن أو الأنشطة بدون سبب واضح، يتأخر الطفل عن مراحل نموه الطبيعي، يعاني من مشاكل خاصة تتعلق بالميول الجنسية، يعاني من كوابيس أثناء النوم، يفشل في تكوين صداقات جديدة، يتجنب الأشخاص الكبار أو الصغار، يعاني من مشاكل في التغذية والشهية.
من سن 9 سنوات إلى ما بعد البلوغ ، يعاني من الإكتئاب، الأحلام المزعجة، يتأخر في تقدمه الدراسي بشكل واضح، يعاني من تعاطي بعض الممنوعات مثل المخدرات، يتصرف بعنف مع من حوله بلا أسباب واضحة، يترك المنزل، وقد تظهر عليه بعض المظاهر من المراحل السابقة.
ويُسبب الإغتصاب أضراراً جسدية متمثلة في شعور الطفل بأوجاع في المناطق التناسلية وإلتهابات، صعوبة في المشي والجلوس، أوجاع في الرأس والحوض وأخرى سلوكية متمثلة في عزوف الطفل وعدم مشاركته في الأنشطة المختلفة، التورط في سلوك منحرف، عدم الثقة بالنفس أو بالآخرين، العدوانية، تشويه الأعضاء التناسلية، تعذيب النفس، الرعب، القلق الدائم، وقد تقوم الفتاة بتصرفات إغراء إستفزازية للآخرين، أما الأضرار النفسية فأهمها الشعور بالذنب وإتهام الطفل لنفسه بعدم المقاومة وحماية نفسه، كما أن التستر على الإعتداء قد يزيد المشكلة غذا لم يُحاسب المعتدي.
وهناك علامات تكشف الإعتداء الجنسي على الأطفال، حيث يركز علماء النفس والاجتماع على بعض العلامات المهمة التي تثير الشكوك بوجود مشكلة عند الأطفال وفي مقدمتها ” تغير المزاج”، وقد يصبح الطفل إنطوائياً وقليل الكلام، أو أن يتحول إلى النقيض، كثير الحركة ويقوم بأعمال تخريبية، كذلك غياب الطفل لفترات من الوقت في الشارع، عند عودته إلى المنزل يكون مضطرباً أو قلقاً، إلى جانب ملاحظة تشتت الطفل وعدم القدره على التحصيل الدراسي، وتوقفه فجأه عن ممارسة بعض العادات والنشاطات التي كان يقوم بها باستمرار، وعلى الأهل ملاحظة جسد الطفل الذي قد يحمل علامات الإيذاء مثل الكدمات أو الحكة في منطقة الأعضاء التناسلية، وأحياناً قد يقوم بسلوكيات جنسية غير سليمة.
ويؤكد الكاتب على ضرورة تكاتف الجهود المبذولة من جانب الأسرة ومؤسسات المجتمع والإعلام بكافة أشكالة لحماية أطفالنا من التعرض لهذه الإنتهاكات، نبذ العنف، والتأكيد على حقوق الطفل وممارستها، وتوعية الأطفال بالسلوكيات غير المرغوب فيها من جانب الآخرين سواء من جانب الأقارب أو الغُرباء، ولعل الوقاية خير من العلاج، ويتحقق ذلك من خلال إلتزام الأطفال ببعض من السلوكيات ولعل أهمها:-

  • أن يتعلم الطفل آداب ستر العورة.
  • أن يتعلم الطفل أن هناك أجزاء من جسده لا يحق لأحد أن يراها أو يلمسها.
  • أن تتم مراقبة الطفل من جانب الوالدين وخاصة في الأماكن التي يخافون عليه فيها، وليكن ذلك بدون مضايقة له وحتى لا يشعر بذلك.
  • أن يتم تدريب الطفل على التفريق بين النظرة الحانية ونظرة التحرش.
  • أن يُلقن الطفل أن أفضل وسيلة عند تعرضه للتحرش هي الصراخ بقوة والرجوع 3 خطوات للخلف ثم الهروب فوراً من الموقع، والذهاب للأماكن العامة القريبة أو المنزل.
  • لابد من تعويد الطفل على أن يُخبر أمه بكل يومياته وما يحدث له، ويجب على الأم عدم توبيخه أو تعنيفه حينما يُخبرها بما يُزعجها وخاصة عند تعرضه للتحرش، وأن تُمارس الأم معه دور الصديقه التي تُحسن الإستماع لطفلها أو طفلتها.
  • يجب أن تعتني الأسرة دائماً بالوقاية وعدم التساهل والغفلة، وألا تعتمد على الآخرين في رعاية أطفالهم أو العناية بصغارهم.
  • المصادر
  1. إبراهيم جابر السيد: المشكلات الاجتماعية داخل المجتمع العربي (السلوك المدرسي- الزواج العرفي- الانحراف الجنسي), دار التعليم الجامعي، القاهرة, 2013.
  2. أحمد سيد فهمي: أطفال بين الخطر والإدمان، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية, 2013.
  3. أسماء عبد الله العطية: اضطرابات القلق لدى الأطفال في مرحلة الطفولة المتأخرة، مؤسسة حورس الدولية، القاهرة، 2008.
  4. أمين منصور: إشكالية حقوق الطفل العربي (دراسة سيكولوجية)، الدار العالمية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2007.
  5. إيمان السيد ودعاء ممدوح: التحرش الجنسي بالأطفال (الوقاية والعلاج)، بدون، بدون, 2004.
  6. الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء: تعداد السكان، الكتاب الإحصائي السنوي، جمهورية مصر العربية، 2022.
  7. حسنين شفيق: الإعلام الاجتماعي والتحرش الإلكتروني(التحرش من الشارع إلى فيس بوك)، دار الفكر والفن، القاهرة, 2015.
  8. خوله أحمد يحيي: الاضطرابات السلوكية والانفعالية، دار الفكر العربي، القاهرة, ط2، 2003.
  9. رضوى فرغلي: أطفال الشوارع الجنس والعدوانية( دراسة نفسية)، مكتبة الدار العربية للكتاب، القاهرة، 2012.
  10. سالم إبراهيم بن أحمد: جرائم الاتجار بالبشر واستراتيجيات مكافحتها على الصعيدين الدولي والإقليمي، شركة الدليل للدراسات والتدريب وأعمال الطباعة، القاهرة, 2012 .
  11. سعيد جاسم الأسدي ومروان عبد المجيد إبراهيم: الإرشاد التربوي (مفهومه وخصائصه, ماهيته) دار المسيرة، عمان، 2003.
  12. طارق عبد الرؤوف عامر وإيهاب عيسى المصري: الإساءة والعنف ضد الأطفال، عالم الكتاب , القاهرة، بدون سنة.
  13. طلعت رضوان, ندوة حول جريمة التحرش الجنسي, مجلة الزهور، القاهرة، بدون سنة.
  14. عبد الحميد محمد الهامشي: التوجيه والإرشاد النفسي (الصحة النفسية الوقائية), دار الشروق جدة للنشر والتوزيع والطباعة، القاهرة، 2008.
  15. عبد الحميد محمد الهامشي: التوجيه والإرشاد النفسي (الصحة النفسية الوقائية), دار الشروق جدة للنشر والتوزيع والطباعة، القاهرة، 2008.
  16. عبد الرحمن محمد العيسوي: سبل مكافحة الجريمة، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2006.
  17. عبد الستار إبراهيم وآخرون: العلاج السلوكي للطفل المراهق، دار العلوم للطباعة، الرياض، ط3، بدون تاريخ.
  18. كلير فهيم: رعاية الأبناء ضحايا العنف، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 2007.
  19. Anne lacasse, peer sexual harassment among adolescents developmental perspective, PHD, mc Gill, university, 2004.
  20. Anne. Z. Schneider: consciousness about sexual Harassment among heterosexual and lesbian women works, journal of social Issues, (38), vol (4) 2002.
  21. Barker D Jerpstra: outcomes of sexual Harassment. Charges, Academy of management Journal, vol (31), 2006.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *