ظاهرة إغتراب الشباب ( الآثار السلبية وأساليب التعامل)…


كثيراً ما نسمع عن مصطلح الإغتراب، لكن كم منا تأمل وحاول أو قام بالبحث عن أصوله، معناه ،أسبابه، تأثيراته وبخاصة على الشباب المصري، وأساليب التعامل مع هذه الظاهره بكل أبعادها وإنعكاساتها على المجتمع المصري، سوف نشير إلى كل ذلك في السطور التالية:-
الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، وُلد ليرتبط بمن حوله، وهنا أقصد (بني جنسه)، ومنذ بدء الخليقة فقد جعل الله سبحانه وتعالى حواء مشاركة لأدم ، فأصل الإنسان ” أدم وحواء” ، ويقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: “… وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ…” ) سورة البقرة:35).
ومع تطور المجتمعات وتعقدها في وقتنا الحالي، ظهرت مفاهيم جديدة، قد تغيب عن أذهاننا تأثيراتها الحالية والمستقبلية، وخاصة على الشباب.
وبالنظر إلى مفهوم الإغتراب وأصوله، نجد أنه استخدم بأشكال متعدده من قبل العديد من المفكرين والكُتاب في مختلف فروع المعرفة، الفلسفة، الاجتماع، النفس، السياسة، الاقتصاد، والدين وغيرها.
ويعود أصل مصطلح “الإغتراب” إلى الفسلسوف الألماني هيجلHagel عندما فسر الإغتراب في كتابه: علم ظواهر الروح، كحالة حتمية أو بالأحرى حاله أولية لوعي الإنسان، وقد أطلق مصطلح الإغتراب على الإنسان بصفته كائن اجتماعي ليُعبر عن كل ما يحدث له من إنفعالات.
وعند الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني ماركس Marx فقد ظهر مصطلح الإغتراب في نظرية أسماها “نظرية الإغتراب” وهو اعتبر أن العمل أحد العوامل التي تؤدي إلى الإغتراب من خلال ما يُثيره من صراعات تنشأ بين اهتمامات الفرد وحاجاته.
أما الإغتراب عند الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي دوركايم Durkheim فقد عبر عنه بالشذوذ عن قيم ومعايير الجماعة.
ولعل عالم النفس التطوري ومحلل النفس ذات الأصول الدنماركية والألمانية والأمريكية إيركسون Erikson كان له رأي آخر عن الإغتراب فقد اعتبره تشتت للأنا الناتج عن عدم القدرة على صياغة وتطور ونظر متماسكة نحو العالم وموقف الفرد منه.
والإغتراب عند عالم النفس والفيلسوف الألماني الأمريكي فروم Froum هو فقدان الإنسان لذاته المتميزة أو المُميزه عن الآخرين تجعله بأن يستشعر “آنيته” مما يجعله لا يشعر بالأمان والقلق.
والإنسان المغترب هو غريب عن ذاته لا يجد لنفسه كمركز لعامله، وأنه خارج الإتصال بنفسه كما هو خارج عن الإتصال بالآخرين.
ويرى الكاتب أن الإغتراب أصبح يُمثل ظاهرة تكاد ترمي بالقيم المجتمعية جانباً، وتُمثل تهديداً للأمن والاستقرار المجتمعي، وقد يؤدي إلى صراعات نفسية وفكرية تغلب بصداها على المجتمع، وتؤثر على الشباب ومستقبله الأسري والمهني.
فالشباب (18-29 سنة) والذي يُمثل نسبة 20% من تعداد السكان في مصر، وهي ليست بالقليلة، إنما هم في أمس الحاجه بأن توجه إليهم جهود الدولة بمؤسساتها الشبابية من أندية ومراكز شباب وبيوت شباب ومراكز تدريب مهني، وغيرها، لأنهم مستقبل الغد، وسوف يكونون أرباب أسر، وآباء وأمهات جيلاً جديداً كي ينهض المجتمع ويتحقق له الإستقرار والتقدم والرقي، ويكون متماسكاً بما يٌمثله من ثقافة عربية خالصة.
وبالنظر إلى الإغتراب فهو يؤدي إلى تركيز الفرد على الجانب المادي دون المعنوي، ومواجهة الشباب لمجموعة من الظروف الاجتماعية والحضارية تختلف أحياناً وتتناقض مع ما يواجهه جيل الآباء أو الأجداد والتي تؤثر على التوافق الشخصي والاجتماعي، الأمر الذي يتبعه الشعور بالإغتراب عن المجتمع الذي يعيش فيه، إلى جانب إخلال التنشئة الاجتماعية بإعداد الفرد منذ الطفولة ليوائم بين سلوكه ومعايير المجتمع، والذي يجعله يشعر بالإنفصال والإغتراب، وهذه تُمثل أسباباً رئيسية للإغتراب لدى الشباب.
وبناءاً على ذلك يؤكد الكاتب على ضرورة تبني أساليب علمية، ويمكن تطبيقها على أرض الواقع للتعامل مع الإغتراب في مجتمعنا المصري، ومنها إتاحة الفرصة أمام الشباب لتنمية جوانب الشخصية لديهم عن طريق الإسهام في فعاليات منتجه هادفه تؤكد الثقة بالنفس، وأن يتعلم الشباب ثقافة الأخذ والعطاء، فعند تحقيق المصالح الذاتية دون إعتبار للآخرين وحاجاتهم يفشل الفرد في إقامة علاقات معهم، وأن يُمارس الشباب أعمالاً يتقبلونها وتُحقق لهم الرضا العاطفي والقبول العقلي، وأن يشتركوا مع الآخرين في القيم والمبادئ والممارسات باعتبارها السبيل لتحقيق التضامن الاجتماعي بين الفرد والمجتمع، وأن يكون الشباب في حالة من الإعتماد والإتحاد مع الآخرين.
ويؤكد الكاتب على الدور الملموس الذي يجب أن تقوم به الأسرة مروراً بالمؤسسات التعليمية وإنتهاءاً بالمؤسسات الشبابية، والتأكيد على قيم المواطنة ونبذ العنف، وإذكاء روح العمل التطوعي، وزيادة الوازع الديني كمتطلبات أساسية تساعد على التقليل من ظاهرة الإغتراب لدى الشباب.
المصادر:-
1- الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء: تعداد السكان، الكتاب الإحصائي السنوي، جمهورية مصر العربية، 2021.
2- حاتم جمعة محمد علي: استخدام النموذج التنموي وتدعيم ثقافة المطالبة بحقوق الإنسان لدى جماعات الشباب، رسالة دكتوراه، غير منشور، كلية الخدمة الاجتماعية، جامعة حلوان، 2016.
3- حاتم جمعة محمد علي: دور خدمة الجماعة في إكساب الشباب المهارات الحياتية، رسالة ماجستير، غير منشور، كلية الخدمة الاجتماعية، جامعة حلوان، 2011.
4- حمادة حسن محمد: الإغتراب عند إيريك فروم، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1995.
5- سناء حامد زهران: إرشاد الصحة النفسية لتصحيح مشاعر الإغتراب، دار عالم الكتب، القاهرة، 2004.
6- عبد اللطيف محمد خليفة: دراسات في سيكولوجية الإغتراب، دار غريب للطباعة، القاهرة، 2003.
7- عفاف عبد المنعم عبد الصمد: الخدمة الاجتماعية في مجال رعاية الشباب، مكتبة زهراء الشرق، القاهرة، 2018.
8- علي وطفة: المظاهر الإغترابية في الشخصية العربية، مجلة عالم الفكر، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، مج 27، العدد (2)، أكتوبر 1998.
9- فضل محمد أحمد وآخرون: الخدمة الاجتماعية في مجال رعاية الشباب، دار الهاني للطباعة، القاهرة، 2020.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *