التنمر في المرحلة الابتدائية :استراتيجيات وقائية للتعامل مع الأطفال في سن مبكرة.

التنمر في المرحلة الابتدائية :استراتيجيات وقائية للتعامل مع الأطفال في سن مبكرة.

التنمر في المرحلة الابتدائية تعد تلك المرحلة من أهم المراحل في حياة الطفل حيث تبدأ بها أولي تفاعلات الطفل خارج نطاق عائلته الصغيرة، لذلك هي تعد مرحلة التكوين والتأسيس لشخصية الطفل وكذلك لتوجهاته واختياراته المستقبلية، وبينما يأمل الأهل أن تكون تلك المرحلة مليئة بالفرح والاستكشاف بالنسبة للطفل نجد من واقع مجتمعنا المعاصر أن كثير من الأطفال يواجهون تحدي مؤلم ومؤثر مثل التنمر.

يؤثر بشكل سلبي على تطورهم النفسي والاجتماعي، لذا وجب علينا تسليط الضوء على ظاهرة موجودة وبقوة في الكثير من مدارسنا وهو التنمر في المرحلة الابتدائية، تابعونا.

تعريف التنمر في المرحلة الابتدائية.

التنمر يعد أحد أشكال العنف الذي يمارسه الطفل أو مجموعة من الأطفال ضد طفل آخر وازعاجه بطريقه متكررة بشكل متعمد وأشكال متعددة مثل التهديد، العنف البدني، والعنف اللفظي، أو أفعال أخري تحدث بشكل غير ملحوظ.

 

هل التنمر يعد سلوك أم اضطراب نفسي؟

التنمر في حد ذاته هو سلوك عدواني من الطفل المتنمر ولكنه انعكاس لوجود مشكلة نفسية لدى الطفل مثل اضطرابات القلق و الاكتئاب أو اضطرابات الشخصية.

ويؤدي كذلك إلى ظهور مشكلات نفسية لدى الطفل المتنمر عليه أو الضحية مثل اضطرابات القلق الاكتئاب،واضطراب ما بعد الصدمة.

وبالتالي فإن التنمر يعتبر مشكلة سلوكية عدوانية لها جذور نفسية يجب فهمها والنظر للأسباب المبهمة خلفها سواء كانت نفسية، اجتماعية، أو بيئية، والعمل على تقديم الدعم والاحتواء اللازمين للمتنمر والضحية على حد سواء.

وهنا يجب الإشارة أنه ليس أي مزاح بين طفلين يعتبر تنمر وإنما يصبح تنمر في حالة تجاوزه للمساحة الشخصية للطفل الآخر ويتعدى حدود الدعابة أو المزاح المتبادل بين طفلين ويظهر على الطفل الآخر عدم الارتياح، والقلق والخوف، وكذلك عدم القدرة على الرد وبالتالي يلحق بالطفل إيذاء نفسي.

ويجب أيْضًا أن يتوافر فيه ثلاث عوامل وهم:-

  • التكرار.

بمعنى أن يصبح السلوك العدواني متكرر على مدى فترة زمنية وليست مجرد حادثة فردية، تكرار الفعل هو الذي يؤدي إلي إلحاق الأذى النفسي علي الطفل المتنمر عليه فيزيد شعور الطفل بالعزلة والضعف.

  • اختلال القوي.

بمعني عدم وجود تكافؤ في القوى بين المتنمر والضحية حيث يكون هذا المتنمر لديه ميزة أو قوة مثل الشعبية الاجتماعية بين الأقران أو القوة الجسدية مما يعطيه نوع من انواع القوي أمام الطفل الآخر الذي في الغالب ما يكون ضعيف وغير قادر في الدفاع عن نفسه، هذا الاختلال هو ما يلحق الأذى النفسي أو البدني على الطفل الأخر(الضحية) حيث يشعر بالعجز والضعف وعدم الكفاءة.

  • التعمد.

بمعنى أن يكون الطفل المتنمر يعي ما يفعل ويختار القيام به على أي حال وذلك يعتبر عامل بالغ في الخطورة لأن الطفل المتنمر يستمد ثقته بنفسه من أفعاله العدوانية المؤذية في حق الطفل الضحية.

أنواع التنمر.

التنمر في المرحلة الابتدائية في الغالب ما يأخذ شكل مناسب مع المرحلة العمرية الخاصة بالطفل مثل :-

  • التنمر اللفظي.

يستخدم الطفل المتنمر الكلمات السلبية أو الإساءات اللفظية مثل السب أو الشتم بهدف إيذاء الطفل المتنمر عليه و إلحاق الأذى النفسي به عن طريق شعوره بعدم التقبل والحب كأنه في منزلة أقل من الطفل المتنمر. وعادة ما يكون المتنمر يحظي بالقبول بين الأطفال الآخرين، وفي الغالب ما تكون الانتقادات موجهة على هيئة الطفل الآخر الخارجية مثل ضعف بنيته أو طريقة حديثه، أو مظهره الخارجي فينعدم لدى الطفل ضحية التنمر ثقته بنفسه، ويبدأ شعوره بالعزلة وعدم الانتماء والتقبل وتبدأ بعض الآثار النفسية في الظهور على الطفل مثل اضطرابات القلق، والاكتئاب.

 

  • التنمر البدني.

يستخدم الطفل المتنمر قدرته وقوته الجسدية على إيذاء الطفل المتنمر عليه عن طريق الضرب، واللكم، والدفع وغيرها من الأفعال العدوانية المؤذية التي تؤدي إلى تعميق إحساس الدونية لدى الطفل الأخر بالإضافة إلي احساسه انه غير محبوب وغير مرغوب فيه. وبالتالي تظهرعليه بعض الأعراض النفسية مثل الرغبة في الانعزال، وبعض اضطرابات القلق، والاكتئاب، إلى جانب الآثار الجسدية نتيجة تعرضه للتنمر البدني.

يعتبر التنمر الإلكتروني بين الأطفال في المرحلة الابتدائية تحدي خاص في عصر التكنولوجيا المتقدمة حيث يستخدم المتنمر مواقع التواصل الاجتماعي، والرسائل النصية على الهواتف الذكية لإرسال رسائل محبطة للطفل الآخر أو نشر فيديوهات أو صور تعتبر نقطة ضعف لدي المتنمر عليه مما يزيد الشعور بالعجز وعدم القدرة على المواجهة أو حتى الهروب فيزيد شعور الطفل بالعزلة ، انخفاض تقدير الذات، وانعدم إحساسه بالأمان.

وقد يصل إلى نتائج أخرى أكثر خطورة إذا لم يتم التعامل مع الطفل بشكل صحيح.

  • التنمر النفسي

يعتبر هذا النوع من أصعب أنواع التنمر في المرحلة الابتدائية إذ يمكن أن تصل عدوانية الطفل المتنمر إلى استخدام النظرات السيئة، التربص، وكذلك التلاعب بالطفل الآخر (الضحية) عن طريق إشعاره بأن التنمر من نسج خياله، ويؤدي ذلك إلي شعور الطفل بالحيرة والتخبط مما يؤدي إلي فقدان تركيزه وقلة تحصيله الدراسي بشكل كبير.

التنمر في المرحلة الابتدائية.
التنمر في المرحلة الابتدائية.
  • التنمر الاجتماعي.

يتم في هذا النوع من التنمر إهمال الطفل بطريقة متعمدة أو نشر اكاذيب حوله مما يؤدي إلى استبعاده ورفضه من قبل الأصدقاء وهو ما يؤثر بطريقة سلبية على الحياة الاجتماعية للطفل ويكون أكثر مِيلاً إلى العزلة والانطوائية.

أسباب التنمر في المرحلة الابتدائية

التنمر هو اضطراب سلوكي معقد من الممكن أن ينشأ بسبب مجموعة واسعة من الأسباب نذكر منها:-

 

  • شعور الطفل بالنقص.

يعتبر شعور الطفل بالنقص وسيلة من الوسائل الدفاعية التي يلجأ لها لتعويض شعور بداخله بأنه غير كافي أو أقل شَأْنًا من أقرانه فيبدأ بتعويض هذا الشعور عن طريق التنمر على الأخرين مما يعطيه احساس بالقوة والسيطرة والتأكيد على الذات وهذا ما يمنحه تعويض عن مشاعر النقص، والضعف، والعجز بداخله.

  • عادة ما يتعرض الطفل للإهمال في المنزل.

يشعر الطفل بعدم أهميته وتهميشه عندما لا يشعر بالحب، والأمان داخل منزله يلجأ إلي تعويض إحساسه عن طريق تطوير سلوكيات سلبية مثل التنمر، لما يعطيه له من احساس حتى ولو كان مؤقت بالأهمية، والقوة وفي الغالب ما يحدث ذلك في المدرسة.

 

  • المشاكل الأسرية والنزاعات بين الوالدين.

في هذه الحالة يشعر الطفل بالغضب والإحباط بسبب عدم استقرار الأوضاع في المنزل وبالتالي تتأثر حالته النفسية بشكل سئ فيقوم بنقل المشاعر السلبية المسيطرة عليه إلي خارج المنزل، وفي الغالب ما يكون في المدرسة، أو أي تجمعات اجتماعية يكون الطفل موجود فيها، فيقوم بتفريغ مشاعر الغضب، وعدم الأمان الذي يشعر بهما عن طريق التنمر.

  • الغيرة والبحث عن الاهتمام وجذب الانتباه

  • عدم الوعي بالأثر السيئ الحقيقي للتنمر على الضحية.

  • اغلب الأطفال الذين يمارسون التنمر هم نفسهم تم ممارسة التنمر عليهم من قبل.

 

التنمر في المرحلة الابتدائية :استراتيجيات وقائية للتعامل مع الأطفال في سن مبكرة.

هناك العديد من طرق الوقاية التي نستطيع من خلالها الحد من حالات التنمر في المرحلة الابتدائية وخلق بيئة تعليمية آمنة في مدارسنا نذكر منها ما يلي:-

  • دور المدرسة.

للمدرسة دور كبير في إنشاء بعض الأنشطة التثقيفية المناسبة لسن الأطفال لتوعيتهم حول التنمر وآثاره السلبية، وتدريب المدرسين حول كيفية تعاملهم مع حالات التنمر المختلفة بطريقة تربوية تحافظ على الصحة النفسية للأطفال ضحايا التنمر وكذلك مساعدة الطفل المتنمر الذي يعتبر هو الآخر ضحية لظروف نفسية، اجتماعية، أو بيئية ليس له يد بها.

وهنا يأتي دور الأخصائيين النفسيين في المدارس حيث يساعد الأخصائي النفسي الطلاب في كيفية التعامل مع مشاعرهم وتعليمهم استراتيجيات وقائية لإدارة حالات الغضب، وكيفية حل النزاعات بشكل سليم.

له كذلك دور إداري هام في رصد سلوك الطلاب وتقديم تقارير لإدارة المدرسة مما يساعد على التدخل المبكر، والسريع ومعالجة المشكلات قبل تطورها، كما أنه يساعد المعلمين في وضع خطط للتعامل مع حالات التنمر المختلفة بطريقة منهجية تربوية ونفسية سليمة، مما يساعد في خلق بيئة مدرسية آمنة وداعمة تقلل من فرص وقوع حوادث التنمر.

  • الدور الإعلامي.

يلعب الإعلام دور كبير في الحد من حالات التنمر في المجتمع بشكل عام وداخل المدارس كذلك وذلك عن طريق :-

١-فتح منصات حوارية مع الخبراء المختصين لتوعية مقدمي الرعاية من الآباء والأمهات حول التنمر وكيفية التعامل مع حالات التنمر مما يعمل على نشر الوعي في المجتمع.

٢-الترويج للسياسات المدرسية والإجراءات القانونية التي تحمي الأطفال وتوفر لهم بيئة تعليمية آمنة.

٣-العمل على إنتاج بعض أفلام الرسوم المتحركة الجاذبة للأطفال في تلك المرحلة العمرية لتوعيتهم بالتنمر بوصفه سلوك سئ وكيفية التعامل الصحيح للطفل إذا ما تعرض للتنمر أو واجه طفل آخر تعرض للتنمر.

  • الدور الأسري.

يعتبر دور الأسرة هو الدور الأكبر للحد من حالات التنمر في المرحلة الابتدائية، الأسرة هي  القادرةعلي تشكيل وجدان، وشخصيةالطفل وتقديم طفل سوي، أو غير ذلك وفي عصرنا الحالي أصبح هناك خلط ما بين الاحتياجات البيولوجية للطفل، واحتياجاته النفسية من الحب، والاهتمام، والدعم، والانتماء فمعظم الأطفال ضحايا التنمر لا يفصحون عن تعرضهم له بسبب خوفهم من الآباء والأمهات، وخجلهم في التعبير عن فشلهم في التعامل مع ما يتعرضون له، وكل ذلك نتاج غياب مفهوم التربية بشكلها السليم أما عن دور الأسرة:-

١-لابد لهم من التحدث والاستماع للطفل وتعليمه كيفية التعبير عن مشاعره بشكل صحيح.

٢-أن يكون الآباء والأمهات قدوة حسنة لأطفالهم في السلوكيات الحسنة ومساعدة الآخرين.

٣-تعمل الأسرة على تعليم الطفل كيفية التعامل مع الصراعات وحل المشكلات بطريقة سلمية.

٤-إشباع احتياجات الطفل النفسية والعاطفية من الحب والتقبل والاحتواء والدعم.

في الختام، يعتبر التنمر في المرحلة الابتدائية قضية شديدة الحساسية والخطورة تتطلب تضافر كل الجهات المعنية من أول الأسرة إلى المدرسة، وبقية المؤسسات الاجتماعية، للتقليل من حوادث التنمر، وكذلك تقديم الدعم اللازم للضحايا فعن طريق زرع مفاهيم التعاطف، والتعاون، والاحترام بين أطفالنا نستطيع الحد من حالات التنمر في المرحلة الابتدائية، وتوفير بيئة مدرسية آمنة للأطفال مما ينعكس بشكل جيد علي مستقبلهم، وعلى المجتمع ككل.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *